الاثنين، 15 ديسمبر 2008

الحركة الشعبية ما لها وما عليها؟



نعم لها علينا حقوق وافضال من واجبنا الاخلاقي والانساني والوطني ان نحترمها ونعتز بها كحركة وطنية سودانية خالصة وهي قد كانت الاكثر جدية ومسئولية بل صاحبة القدح المعلى في النضال الوطني في هذه الحقبة الكالحة الراهنة من عمر هذا الشعب الطيب وقد قدمت في سكة نضالها لقضية الوطن الرقم الاعلى في التضحيات من شهداء لاجل حرية وكرامة المواطن السوداني الذي وعدته بالسودان الجديد سودان الوحدة والحرية والكرامة والنماء وقد قدمت لذلك الشعار النبيل شهداءها في كل الجبهات بلا منة ولا رياء ولذلك انخرط في صفوفها ثوار ابطال من كل انحاء الوطن استجابوا لندائها الوطني واحسنوا في ركابها البذل والعطاء والفداء وحققت بهم كثيرا من الانتصارات ولذلك كانت بل ربما حتى الان حتى في حالتها الباهتة الراهنة هي الافضل مقارنة بنظيراتها من احزاب وتنظيمات السودان المختلفة قديمها وحديثها والتي ايضا من واجبنا الاخلاقي الا نقمطها اشياءها فقد ناضلت وقاتلت وقدمت ايضا الشهداء والابطال وقدساهمت اسهامات وطنية تاريخية عظيمة في تحقيق انتصارات كبيرة لشعبنا ولكنها في هذه الحقبة الراهنة بالذات لا ترقى في عطائها حتى اللحظة الى انتصارات وعطاء الحركة الشعبية التي ظفرت وحدها بجل احترام الشعب السوداني لها عندما وعدته بالتحرير بل سمت نفسها باسم كل السودان ( الحركة الشعبية لتحرير السودان) اي انها حركة وحدوية المنطلقات هادفة لتحرير كل شعوب السودان وقد بادلها الشعب في الشمال ذات الود وقد تجسد هذا الحب والتقدير للحركة الشعبية عندما قدم لاول مرة القائد الشهيد قرنق الى السودان حيث استقبل استقبالا في شمال البلاد استقبالا غير مسبوق في تاريخ السودان وكان استقبالا مليونيا حاشدا من كافة قطاعات الشعب السوداني تعبيرا عن احترام الشعب له ولحركته وقد كان استفتاء حقيقيا لذاك الرجل الثائر.....نعم لقد كانت كل تلكم الحيثية النبيلة ملازمة للحركة الشعبية طيلة نضالها حتى يوم توقيعها اتفاق نيفاشا وهي في وجود قائدها الشهيد دكتور جون قرنق برغم تحفظات البعض علي هذا الاتفاق ومنهم كاتب هذا المقال ولكنه كان افضل الخيارات واكثرها واقعية بالنسبة للحركة حين انتحت هذا المنحى الفجائي وهي تتجاوز حلفاءها في التجمع المعارض لتعقد مباشرة الصفقة مع العصبة الحاكمة بعد ان هزمتها عسكريا وحررت كل الجنوب بالكاد وقد عقدت هذا الاتفاق عندما تبين لها عدم جدية ومسئولية اولئك الحلفاء من القوى الشمالية الكبرى التي عجزت للاسف ان تستقطب ولو مئات من جماهيرها المليونية لهذه المعركة الوطنية لاحداث الثورة مدنيا وعسكريا فقد تأكد انعزالها عن جماهيرها حين فشلت في حثهم للثورة والتغيير والذين هم حسب سجلات الانتخابات الماضية هم ملايين من البشر ورغما عن هذا الرقم المهول لم تستطع هذه القوى الوهينة ان تحركهم وتنظمهم لتخلق بهم الثورة المدنية في الداخل لتثبت انها قوى وطنية حقيقية مرتبطة بقواعدها ومؤثرة فيها تستطيع ان تحركها انى تشاء وقد فشلت ايضا ان تستقطب منهم مجتمعين ولو مجرد ربع لواء عسكرى يمثل كل قوى شمال السودان للمساهمة به مع الحركة الشعبية في جبهات القتال المختلفة والتي قدمت فيها الحركة الشعبية وحدها عشرات الالوية والاف الشهداء ومنهم (جنوبيون ) شهداء ابطال سقطوا عند مشارف مدينة كسلا الشمالية ( الختمية) واخرون عند مشارف الكرمك وجبال النوبة الشمالية شبه ( الانصارية)؟
و( نيفاشا) لمن يملك حدا ادنى من وعي سياسي وتحليل رصين كانت اتفاقا بين هازم ومهزوم فقد استطاعت فيها الحركة الشعبية وهي الطرف الهازم ان تملى جل شروطها على شريكها المهزوم اي العصبة الحاكمة واجبارها على التخلي بالقوة عن مشروعها الديني الكاذب والذي بسببه ضيعت الافا من الشباب المضللين في حروب الهوس والتضليل حين تاجرت بدمائهم ولكن العصبة سرعان ما انهارت وتكشفت فريتها الكبرى باسم الدين حينما قبلت شروط هازمها بمهانة في ( نيفاشا) باسم السلام المزعوم والذي كان استسلاما مهينا قبلوا به صاغرين دولة المواطنة المدنية الحرة الديموقراطية وهي دولة علمانية صريحة فصلت الدين عن السياسة على انقاض مشروعهم الحضاري الاكذوبة وقد وقعوا على هزيمتهم امام العالمين لتظفر الحركة الشعبية بكل الجنوب وسلطات وثروات في الشمال وتاييد مطلق من الغرب وجل شعوب السودان وقد لحق مؤخرا بركب نيفاشا جل المشككين فيها من بقية قوى الشمال العاطلة وقد هرولوا خفافا لاقتسام فتات المائدة ( النيفاشية) من وزارات ومناصب تشريعية وتنفيذيه وهم الان ينعمون بجو ولو حتى بهامش من الحريات كان من الاماني الغالية التي تمنوها واخيرا حصلوا على بعض منها ليس بسبب بذلهم ونضالهم بل بسبب ما بذلته وقدمته لهم الحركة الشعبية بنضالها وشهدائها وهي تجبر خصمها على الرضوخ وتقديم مزيد من التنازلات لصالح الجميع.....
كل ذلكم الميراث النبيل وهو ما للحركة الشعبية من عطاء في ساحات البذل الوطني صار تاريخا من تاريخ هذا الوطن العزيز وواقعا معاشا مؤثرا في حراكه اليومي وقد مهرت دروبها بدماء الشهداء والابطال لاجل مباديء وطنية سامية وافكار وشعارات طموحة حول وحدة القارة الافريقية مما اعطى الراحل الشهيد قرنق قائد الحركة زخما افريقيا كواحد من قادة افريقيا الابطال اي كان يطمح في اكثر من وحدة السودان ولذلك ظلت الحركة لها هيبتها وكينونتها وزخمها الوطني والافريقي الى يوم رحيل القائد الشهيد دكتور قرنق و الذي برحيله منذ ذلكم اليوم الحزين ذهب كثير من ذلكم البريق والزخم والحيوية التى كانت تحيط بالحركة واضمحلت حالة الهيبة والتقدير الذي كان يكنه الشارع الوطني للحركة الشعبية عندما بدأت في الراهن الحالي اي عقب رحيل القائد في ثوب بال باهت الالوان غير ذاك الذي حاكه لها الشهيد ورهط الابطال الشهداء الذين ناضلوا لاجل مباديء وطنية خالدة ظلت محل احترام الجميع وكل هذا التردي في اداء الحركة اليوم يبدو واضحا انه بسبب من استخلفهم الراحل الشهيد حيث ابدا ما كانوا في حجم زخم وهيبة ومباديء وثقل وافكار وتاريخ الحركة الشعبية النضالي وهي في حياة قائدها الرمز وهو امر قد يحسب نقيصة في حق الحركة باعتبارها انها كانت حركة محورها فرد احد وليست محكومة بمؤسسات هي التي تحدد مساراتها ولكن الاعذار ايضا متاحة في الاوضاع الاستثنائية في سياق التحديات التي خاضتها الحركة الشعبية على صعيد بيتها الداخلي وعلى صعيد نضالها ضد الطغم الحاكمة فقد كان مفروضا عليها ذاك الوضع الاستثنائي كحركة ثورية مسلحة لا بد ان تمارس نوعا من الضبط والربط المتسق مع ظرفية ذلكم النوع من النضال....
ان واقع الحركة الشعبية اليوم اي بعد رحيل القائد لواقع مختلف جدا عن ذاك الذي كانت تعايشه في وجوده اي افتقدت الهيبة والحيوية والفاعلية حينما عادت لا تنفعل بقضايا وتحديات الراهن في الوطن بذات فاعليتها في وجود الراحل الرمز رغم انها اليوم شريك في السلطة والثروة ومحتفظة بجيشها وكل امكانياتها بموجب اتفاق ظلت فيه كفتها هي المرجحة ومعها غالبية الشعب السوداني وايضا المجتمع الدولي باعتباره الجهة الضامنة لهذا الاتفاق والجاهز لالزام اي طرف من طرفي الاتفاق بتنفيذ كل تفاصيل الاتفاق.... اي ليس هنالك مبرر لان تفقد الحركة هيبتها وحيويتها ووجودها الفاعل في الحراك السياسي اليومي في السودان حيث الكرة دوما في مرمى الخصم الضعيف وعليه استحقاقات ناجمة عن هذا الاتفاق ملزم بتنفيذها ولكن للاسف ظل هذا الخصم المهزوم بموجب الاتفاق يمارس كل يوم خروقات واضحة تمس عظم الاتفاق وهو غير ابه بتلكم الاستحقاقات المفروضة عليه بموجب الاتفاقية فيما يتعلق بالاتفاقيات الامنية وكل ما يتعلق بتهيئة الاوضاع للتحول الديموقراطي بل الانكى ان الخصم برغم وجود الاتفاقية قد عاد اكثر شراسة لذات المربع الذي انطلقت منه سيئة الذكر ( الانقاذ) وهي تواصل ذات سياسات القمع والتكميم واقصاء الاخر حد القتل اليومي المتواصل في دارفور والذي مارسته ايضا بلا رحمة في امرى والكاجبار بشمال البلاد وقبلها في مجزرة بورتسودان ولا زالت حتى اللحظة تلاحق وتطارد وتعتقل وتعذب الشرفاء وتصادر الصحف وفي المقابل الشريك النيفاشي اي الحركة الشعبية تصم اذنيها وهي لا تستطيع مجرد التأفف وابداء الغضب تجاه كل هذه الخروقات والاستفزازات وهي شريك في السلطة والاجهزة الامنية بل الطامة الكبرى قد وصل الامر بالشريك الخصم المهزوم ان تطاول على الحركة نفسها حين اعتقل وعذب وطارد بعضا من اعضائها الناشطين في الشمال بل فتش دور الحركة الشعبية وصادر اعدادا من صحيفتها الناطقة باسمها( اجراس الحرية) امام مراى ومسمع من العالم بل وصل مرحلة ان يملى اوامره على قيادة الحركة في عزل بعض من قياداتها وهم غير مرغوب فيهم بسبب انهم ينتقدون فساد شريكهم اي العصابة كما حصل في فضيحة اقصاء امين الحركة السيد (فاقان اموم) الذي تم اقصاؤه بناء على امر من السفاح البشير الى رئيس الحركة ( الشاويش) سلفاكير الذي لبى الامر طائعا بلا اعتراض وهو امر يضع علامات استفهام عريضة لكل متابع لهذه التداعيات التي تعيشها الحركةالشعبية وقد طالها الذل والهوان من قبل شريكها في السلطة والثروة وهو امر غير مبرر لان الحركة ليست في وضع من الضعف والهوان ما يجعلها ان تكون بهذه الصورة البائسة طالما يسندها طيف عريض من الشعب السوداني بالاضافة لقوتها العسكرية التي لا زالت محتفظة بها وايضا مسنودة بقوى دولية عظمي وعليه لا مبرر لحرصها على الحفاظ على الاتفاقية ان تظل بهذه الصورة الباهتة الهزيلة الوهينة التي تهز من مصداقيتها وهي لا تتفاعل ايجابيا مع الشارع السوداني الذي بشرته بالتحرير طالما ان الاتفاقية لا خوف عليها ولاهم يحزنون وهي محمية ومصانة بواسطة اولي الامر منا في هذا العالم الكبير وهي باقية سواء ذهب او بقي سلفاكير او السفاح البشير في السلطة وتظل اتفاقية محمية لن يهزها تغير الوضع في الشمال او في الجنوب ويبقى اهم مكسب فيها لاهلنا في جنوب الوطن اي حق تقرير المصير حقا ثابتا مكفولا فيها لاهلنا في الجنوب وهم وحدهم من سيحددون مصيرهم مع خيارالوحدة ام الانفصال سواء كانت الحركة موجودة ام غائبة عن السلطة...
ولكن في اعتقادي ان هذه الصورة الباهتة والسالبة التي تبدو بها الحركة الشعبية الان في الراهن السوداني هي امر بفعل فاعل اراد ان يثأر من قائدها ومبادئه وشعاراته الخالدة وهي الشعارات والمباديء التي لا تعترف بتجزئة الوطن وتبعيضه بل تؤمن بالسودان الجديد وهو السودان الموحد الحر الديموقراطي الذي جذب اليه في ركاب الحركة ثوارا ابطالا من كل اركان السودان قدموا ارواحهم رخيصة فداء هذه الشعارات الوطنية الخالدة واما اولئك الانعزاليون فقد كانوا جزءا من هذه الحركة ولكنها لفظتهم حينما ابانوا وجههم الانعزالي الانفصالي والذي لاجله قد خانوا وغدروا بالحركة وضربوها من داخلها بل تحالفوا مع عدوها الذي لا زال مؤمنا بقضية انفصال الجنوب ويغذيها داخل الحركة نفسها من خلال المندسين لينفرد بحكم الشمال بعد ان استنزفته الحركة في الجنوب ولم يستطع هزيمتها.... وللاسف فقد عاد اولئك الانفصاليون اعداء الحركة واطروحة السودان الجديد الى الحركة في ظل ظروف ومعادلات محلية فرضت وجودهم قبيل رحيل قائدها الرمز وهو موقن انهم ليسوا خلصا في انتمائهم الى الحركة ومبادئها بل لا زالوا على دينهم الانفصالي والذي سرعان ما ابانوه بعيد رحيل القائد من خلال تأثيرهم باجندتهم الانفصالية الواضحة على خلف القائد الشهيد اي ( الشاويش) سلفاكير وهو شخصية بسيطة البون الفكري والسياسي والثقافي شاسع بينها وبين الزعيم الراحل كالبون بين الارض والشمس لا يحمل ذرة من وعي قائد الحركة ولا تطلعاته وجل همه ان يحكم وان يصلح من ( برنيطته) عند اللزوم وهي لا تخفي تحتها وعيا بحجم مباديء وافكار الراحل فيكفي الرجل انه صار بمؤامرة الاقدار حاكما للجنوب والان طامح ان يحكم السودان بلا اي برنامج ولا اي افق فكرى يعود بالنفع على الجميع ووراءه نفر من مثقفاتية الانفصال وهو يدرى انهم اعداء الحركة وقائدها ويبدو انه لا يمانع من التصويت معهم للانفصال حتى لو كان رئيس كل السودان؟
ان هذه الظرفية الراهنة والتي تعيشها الحركة الشعبية في ثوب غير ثوبها النضالى النبيل تضع مصداقية الحركة الشعبية على المحك وهي تثير كثيرا من علامات الاستفهام حولها ولذلك قطعا للشكوك والظنون تملي على الحركة الشعبية اثبات صدقيتها وانها حركة ثورية مبدئية قبل وبعد رحيل القائد الشهيد وحالة واحدة متمسكة بمبادئه وشعاراته الخالدة وفاء له ولالاف الشهداء وانها حركة ثورية تنطلق من منطلقات مبدئية لا تقبل المساومة والقسمة على اثنين مهما كانت المبررات وان السودان الجديد الذي بشرت به كل السودانيين ليس اكذوبة وشعار مرحلة لخم الطيبين وليس المقصود به دولةالجنوب القادمة حسب اجندة الانفصاليين من داخل الحركة والذين غدروا بالحركة وحاربوها في الماضي واليوم يجرونها الى اجندتهم بكل وضوح... وعليها ان تثبت انها حركة اخلاقية تحترم نضالات الكثيرين من الشهداء من كافة ارجاء الوطن الذين انخرطوا في صفوفها تحت راية الوطن الواحد الذي لا يقبل بالتقسيم ولن تخون دماءهم بحسابات اقليمية لا تشبه قائدها الراحل بزخمه الثورى التحرري طارحا من نفسه زعيما افريقيا تحرريا يؤمن بوحدة القارة كلها فكيف يرضي بتشطير المشطور؟
الانتخابات المصيرية الان على الابواب والوطن مقدم على مرحلة فاصلة وحاسمة فعلى الحركة الشعبية كحركة سياسية وطنية شريك في السلطة الراهنة عليها توضيح وجهتها منذ الان هل هي مع خيارالوحدة ام مع خيارالانفصال وهل مستعدة ان تنزل في قائمة واحدة وهي تقود كل القوى الوطنية في معركة الانتخابات لهزيمة شريكها اي المؤتمر الوطني للتخلص منه ديموقراطيا ام ستنزل متحالفة معه في الشمال والجنوب بزعم المحافظة على الاتفاق لانها لا تثق في حلفاء الماضي؟ وطالما تقدم السيد سلفاكير رئيس الحركة ورئيس حكومة الجنوب للترشح لرئاسة السودان في الانتخابات الرئاسية القادمة فعليه ان يقدم اجابات واضحة للتساؤلات المشروعة اعلاه باعتباره رئيس الحركة الشعبية ورئيس الجنوب حتى نعرف اننا هل نتعامل مع الحركة الشعبية التي ناضل لاجلها الشهيد جون قرنق الى يوم رحيله والمنادية بتحرير كل السودان والمبشرة بالسودان الجديد ام نتعامل مع حركة السيد سلفاكير التي تسير الى وجهة الانفصال بأجندة اهل الانفصال داخل الحركة وقد تنكرت لكل ما بناه وامن به قائدها الراحل العظيم؟