هذا السؤال ملح جدا وهو ات من واقع تجارب مريرة وفيها حققنا نجاحات عظيمة بتضحيات كبيرة ونحن ننتصر بثورات مشهودة على الطغاة ونأتي بالديموقراطية معمدة بدماء الشهداء ولكن سرعان ما يتبخر هذا النصر وتضيع هذه المكاسب الثمينة قبل التمتع بثمراتها حيث تسقط الديموقراطية الحلم عند اول منعطف وهي تسرق من قبل اعدائها المتربصين بها دوما وهم من فلول الطغيان المدحور بسبب استهتار اهلها وعدم انضباطهم في التمسك بها وفي ممارستها وفي حمايتها والدفاع عنها وبالتالى يجعلونها فاقدة الهيبة والقداسة عند ذاك المواطن الذي قاتل وضحى من اجلها وتبقى تلكم اللحظة العبقرية للانقضاض عليها من قبل المتربصين بها اي انصار الشمولية عندما يضمنون هذه الحالة من الاحباط الشعبي في الديموقراطية فينقضون عليها ولا اسف على ضياعها من قبل هذا المواطن المحبط بل تجدنه للاسف احيانا من اشد المؤيدين للمنقلبين عليها عندما يفقد الثقة والامل في مدعيها وحماتها ممن رشحهم وفوزهم واعطاهم الثقة ليراعوها ويطبقوها وهو يراهم يوئدونها بمزايداتهم ومكايداتهم ومماحكاتهم الحزبية ولذلك عندما يؤيد الشمولية يؤيدها مجبرا محبطا في الديموقراطية التي ما بشره اهلها الا بخلافاتهم ومزايداتهم وهو يتنازل للشمولية عن حريته وكرامته لاجل لقمة عيشه وحبة دوائه وكراسة ابنه او بنته بسبب شعاراتها البراقة في تحقيق استقراره ورخائه عبر انجازات شكلية دعائية ولكن سرعان ما يكتشف بعد فوات الاوان انه وقع في شراكها وقد تنازل لها عن احريته وكرامته ليجد حتى اللقمة التي منوها بها والتي كان يحلم بها يراها تذهب الى كروش السراق والطفيليين من ربائب الشمولية ليبدأ المسكين من جديد هذه المرة دوامة النضال لاستعادة الديموقراطية ولكن للاسف ليس بالحماس الاول الذي استعادها به في المرات السابقات وفي ذهنه لا زالت ماثلة صور الاستهتار السياسي وعدم الانضباط والمزايدات الحزبية البغيضة في سوق السياسة لكسب اصوات هؤلاء الطيبين ولكنه قد يطمئن نفسه هذه المرة بالصبر باعتبار ناتج الديموقراطية وضع افضل لهم طالما اساسه صون الحرية والكرامة وان الديموقراطية قد تنمو وتتجاوز بالياتها اخطاء الماضي من حيث الممارسات لان الوعي الديموقراطي ايضا ينمو بين الناس من خلال المثاقفات عبر الحوارات وهو امر يؤدي الى تجويد الممارسة الديموقراطية والتي ستؤدي الى الاستقرار السياسي المؤدى ايضا الى تهيئة جو الخلق والابداع والانتاج وبالتالي يتحقق الاشباع والرفاه وهو حلم هذا المواطن الغلبان। ولكنه حلم بعيد المنال في هذا الجو من الاحباط والقنوط.
وللاسف تاريخنا الحدث يحكي من خلال تجربتين انتفضنا فيهما واستعدنا الديموقراطية في اكتوبر 64وابريل85
فشلنا في الحفاظ على مكاسبنا من هذين النصرين العظيمين وهو امر زاد من احباط المواطن السوداني الذي ادى واجبه الوطني بمسئولية كاملة في التصدي للدكتاتورية وقد حقق الثورة وانتصر فيها على الطغيان ولكنه اليوم في قمة معاناته والامه ليس بذاك الحماس الاكتوبري والابريلي رغم كارثية واقع اليوم الذي نشهد فيها الظلم والفساد مضاعفا اضعاف من ذاك الذي ثرنا ضده واطحنا بسببه بدكتاتوريتين اذا ما قورنتا بهذا الواقع الكارثي الراهن لقلنا ان عبود ونميرى كانا ملاكين رحيمين مقارنة بهؤلاء المجرمين الاوغاد الذين ضربوا الرقم القياسي في الاجرام والمفاسد ورغما عن هذا استمروا اليوم فينا عشرين عاما وكان ينبغي على خلفية ارثنا النضالي وثوريتنا وتجاربنا مع الدكتاتوريات ان نطيح بهؤلاء المجرمين منذ اول ايام بطشهم وقهرهم لنا في بيوت الاشباح و ماسي التعذيب والقتل والخطف... ولكن في اعتقادي ان احباط المواطن في البدائل هو سبب تقاعسه ورضوخه للامر الواقع ومما يزيد الطين بلة ليجعل من احباطه حالة مستدامة عندما يرى بأم عينيه هذه الايام وفي نهاية المطاف بعد زائف الشعارات لاستعادة الديموقراطية وهراء الاجتثاث من الجذور ليرى هؤلاء الافاكين من ائتمنهم على الديموقراطية ومن شاهدهم يدمنون شعارات التنطع باسم االديموقراطية والنضال لاجل استعادتها هاهم اليوم بلا استحياء انهزموا وتراضوا وطبعوا مع الطغاة فلا دحروهم ولا استعادوا منهم الديموقراطية وارجعوها الى اهلها بل هرولوا اخيرا اليهم معترفين بهم رؤساء عليهم يستجدونهم فتات السلطة والامتيازات في مشهد قذر يدلل على اننا كنا نراهن على سراب واوهام ومجموعة من الكذبة وتجار الشعارات وما هم باقل سوءة من الطغاة سارقي الديموقراطية حيث في اعتقادي ان المفرط في الامانة اكثر سوءة من سارقها لانه استهتر ولم يحترم واجبه في الحفاظ عليها وبالتالي عرضها للسرقة والضياع والانكى والمؤلم ان ياتي اخيرا المفرط في الامانة ليعترف بالطاغية يتزلفه وهو امر يزيد من قنوط واحباط ذاك المواطن الغلبان ويجعله اكثر تمسكا بالامر الواقع طالما قياداته التاريخية والمقدسة لديه بلا استحياء هرولت قبله وتهافتت نحو تقديم فروض الطاعة والولاء للطغاة!
اذن المهمة عسيرة جدا على قوى التغيير القادمة للحفاظ على الديموقراطية اذا فازت بها وهو امر مشكوك فيه اذا ظلوا على ذات الحال البائس في وجود خصم شرس وحاقد يمتلك كل اسباب القضاء على مكاسبنا اذا لم نرتقي لمستوى التحديات التي سيواجهها النظام الديموقراطي القادم وهو نظام سيقوم على حقل من الالغام والمهددات باجهاضه والقضاء عليه من قبل قوى شرسة مستقوية بكل مقدرات الدولة المستباحة لديهم طيلة عشرين عاما هي عمر طغيانهم واستباحاتهم لبلادنا ونحن فقراء لا نملك غير مباديء ومواقف لن تصمد وحدها في مواجهة هذه التحديات الجسام الا اذا تعاملنا مع هذا الامر بمسئولية وطنية عالية بروح وطنية وليست حزبية تبحث عن اليات جادة لحماية الوضع الديموقراطي القادم وهو وضع لن تحميه المواثيق الورقية والنوايا الحسنة ويكفي مهزلة ميثاق حماية الديموقراطية بعد انتفاضة ابريل والذي وقعت عليه كل القوى الوطنية عدا الجبهة لقومية الاسلامية التي رفضت التوقيع عليه ورغما عن هذا سمحنا لها بالتمتع بحقها الديموقراطي وهي الرافضة التوقيع على حماية الديموقراطية واستطاعت مع سبق الاصرار والترصد ان تنفد من طروادة استهتارنا وتهاوننا معها ان تنجز انقلابها على الديموقراطية من داخل حصن الديموقراطية ومنذ ذلكم اليوم الذي رفضت فيه التوقيع علي ميثاق حماية الديموقراطية وقع انقلابها وما كان الثلاثين من يونيو المشئوم لاحقا الا تتويجا لذلك الموقف المعلن والذي اتخذته من واقع استهتارنا وعدم انضباطنا ونحن نسمح لها ان تهين وتسقط هيبة النظام الديموقراطي الذي رفضت التوقيع على ميثاق حمايته على رؤوس اللاشهاد من داخل برلمان الديموقراطية ومن خلال صحافة الديموقراطية وبالفعل سقطت الديموقراطية الثانية عندما فرطنا نحن في الامانة بالاستهتار وقدمنا الوضع طبقا شهيا للمتربصين به فانقضوا عليه
وبعدها مارسنا عادة البكاء والندم على ضياع الديموقراطية ونحن نلقي باللوم على وائديها ولم ندن انفسنا حتى اللحظة بسبب تهاوننا وتفريطنا في الحفاظ عليها وهي جريمة ليست اقل من جريمة سارقيها لاننا لم نكن بحجم ثقة الشعب وقد اهدرنا بتهاوننا كل نضالات وعذابات الشعب بهذا الاستهتار والتهاون وعدم المسئولية الوطنية في الحفاظ على مكاسب الشعب الطيبان!
الجمعة، 5 ديسمبر 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق