الخميس، 23 أبريل 2009

حكاية هباني ظاااطو والتاكسي ظااطو!





لاول مرة اشعر ان الانسان اذا تمدد بتواضع بانسانيته الى حدود ما بمقدوره ان يخلق علاقة وجدانية بالاشياء يحس بها ويرتبط بها حبيبة وصديقة يشعر تجاهها بطمانينة والفة وسكينة تجعله يحبها وتحبه في علاقة ود متبادلة بين العاقل وغير العاقل وبالذات عندما تكون العلاقة بشيء في مقام التاكسي وهوصديقي بل شقيقي العزيز و( رب تاكسي لك لم تلده امك) فهو ذو معزة عندي كبيرة بعد ان جئته لائذا من قهر الوظيفة التقليدية بذلها وسطوة اهلها ولوائحهم وقوانينهم والحذر في التعامل مع كائناتها بمفاهيمهم المتعددة وسلوكياتهم الغريبة والعجيبة والتي تتقرب معظمها زلفى الى صاحب العمل لتمده ب( القوالات) حول فلان وعلان للحفاظ على لقمة العيش بغير شرف ولذلك هجرتها حينما شعرت بانني سافقد حريتي وكرامتي فيها وانا المهاجر اصلا بسبب الحرية مقاتلا لاجلها وقد هجرت موطني عشرين عاما لاجلها فكيف سافتقدها في الوظيفة لاجل لقمة العيش ولذلك كان ملاذي الى ( التاكسي) مهنة الخطر والمتاعب ولكنها مهنة شريفة مهما كانت مخاطرها فهي الاشرف وانا ادرك ان للحرية ثمنا قد تدفعه لاجلها قد يكون حياتك كما يفعل الابطال من الشهداء الخالدين في معارك النضال والكفاح لاجل الحرية والكرامة اذ يدفعون ارواحهم رخيصة لاجل الحرية بلا منة ولا رياء ولذلك اخترت مهنة الخطر طالما ثمنها الحرية وانا مطمئن في يقيني الروحاني القدري غير ابه وهياب لمخاطرها لانني موقن بان القضاء والقدر امر رباني وليس لنا دخل فيه نحن معشر البشر ولذلك هو ركن اصيل من اركان ايماننا حيث بموجبه ييقي الخوف من الاتي حالة نقص في الدين بانهدام ركن اساسي من اركان الايمان اي عدم ايمان بالقضاء والقدر وحينما تخاف فهي رسالة سالبة مؤداها اننا لا نثق في الله رب العالمين طالما لا نؤمن بالقضاء والقدر ولذلك كان الملاذ الى هذه المهنة المحفوفة بالاقاويل والشائعات وايضا الحقائق المفزعة حول تزايد حالات الجريمة في امريكا واكثر ضحاياها من سائقي التاكسي باعتبارهم اسهل الاهداف المتحركة والمغرية لقوى الاجرام وانها مهنة خطرة اذ تعرض اصحابها للحوادث القاتلة في الطرقات السريعة واذا نجوا من الموت لن ينجون من الاعاقات الدائمة والتشوهات الخلقية ورغما عن هذا اختارها الاف من البشر محبي الحرية لانها تحتوي اقيم ما يبحث عنه الانسان الا وهو قيمة الحرية وما يصون كرامة طالبها اي ذاك الانسان وهو يكسب قوته لاجل اسرته مقابل خدمة عامة مفيدة يؤديها لانسان قد يكون مريضا في طريقه الى طبيب يشفيه او معلما او موظفا او طالبا مسرعا الى مقر عمله او مدرسته او جامعته او مسافرا مسرعا ليلحق بالطائرة او القطار او البص او مخمورا تحمله الى بيته قبل ان يقود سيارته وهو فاقد العقل قد يؤذي بحادث مروري بها كثيرين و ايضا نفسه بسبب هذه الحالة وانت بهذه الخدمة تقدم اليه والى المجتمع خدمة كبيرة قبل ان ترتقي الخمر الى راسه وتصير ( ام الكبائر) فتنقذ حياته وحياة كثيرين ربما يؤذيهم اذا استطاع ان يصل الى مقود سيارته.
ولاجل الحرية ارتبط كثير من المهاجرين السودانيين ذوى النزوع الكبير للحرية حيث ارتبطوا بهذه المهنة الشريفة وقد وجدوا فيها انفسهم وضالتهم المنشودة لان جلهم هجروا اوطانهم بسبب افتقادهم فيها الحرية والكرامة بسبب هذه الطغمة المجرمة الفاسدة والظالمة الحاكمة و لذلك نشات بينهم وبين هذا الكائن الحديدي غير العاقل اي (التاكسي) علاقة الفة ومحبة لانه صار مصدر رزقك و( هادم بلاتك) اي فواتيرك التي تطاردك شهرا بشهر وهومكتبك بل مملكتك التي تديرها وانت مليكها و هو بيت مؤقت تاخذ فيه غيلولتك وتستمع فيه الى بعض من موسيقاك الشعبية وتطلع فيه على بعض الكتب والصحف وتهاتف منه اهلك واصدقاءك بالوطن والمهجر وكل مكان وتاخذ به ابناءك الى المدرسة واسرتك الى اماكن التسوق والترفيه وزيارة الاهل والاصدقاء وتستقبل به اهلك واصدقاءك القادمين الى مدينتك حيث تقيم واحيانا تاكل وتشرب فيه وتتعرف فيه على كل شعوب الدنيا في امريكا( ام الدنيا ) بكل اعاجمها وعلوجها ومثقفيها ومبدعيها وعامتها من الناس العاديين حتى العاهرات والقوادين والمخنثين وصغار اللصوص وكبار المجرمين من عصابات المخدرات وبعض المجرمين الذين اذا شاءت الاقدار ان تذهب بك الى الجحيم قطعا ستذهب وبرصاصة على
( صنقورك)من مقعد خلفي لا يجهد صاحبه نفسه بعد القضاء على فريسته في نفخ ما تبقى من دخان مسدسه الناري بل سيبسم بنشوة النصر الجهنمي وقطعا سيخبر رفاقه من الندامى في قعر المدينة بان ثمن هذا ( الويسكي) كان من حصاد مسدسه في تاكسي يقوده افريقي ضل الطريق من قوافل الرق القديم واتي الى امريكا ينافسهم اخيرا في عيش هم اولى به من اشقائهم الضالين امين!
نعم انها مهنة نبيلة تمثل حياة كاملة بكل خيرها وشرها بل صارت لدي وطنا صغيرا يلهمني بكثير من الافكار
نهلتها من بعض زبائني الكرام وهم يحكون بقلوب مفتوحة اثناء رحلاتهم القصيرة على ظهر هذا الكائن الحديدي الوطن وجلها حكايات واقعية تحكي عن خبراتهم في هذه الحياة وقطعا استفدت من كثير منها وهي خبرات تخصب العقل بالجديد من الافكار يصلح تداولها في شان الوطن الاكبر مع الاصدقاء في الارض والاسافيروهي افكار من خلالها استطعت التعرف على نماذج من النفس البشرية من خلال احتكاكي اليومي بعشرات من الركاب بمختلف الثقافات والالوان واللهجات والاديان ومن كل شريحة اخذ حقي في التعرف عليها عن قرب بقلب وعقل مفتوح
حتى صرت خبيرا في التعرف على اجناس وعادات وتقاليد بعض من الشعوب تاتيني في مملكتي الصغيرة بكل تادب وهي تحترم حريتي وكرامتي وبالمقابل ايضا احفظ هذا المقام باحترام متبادل الى ان تنتهي الرحلة القصيرة والتي ربما اظفر بعدها بصداقة هذا الزبون او اخر وهو امر جيد في عالم ( البزنس) اذ تكسب زبونك من خلال هذه المهنة بمدى قدرتك في التواصل معه خلال هذه الدقائق المعدودات على ظهر هذا الكائن الحديدى الوطن الذي اشعر بالامتنان اليه كثيرا وهويساهم معي في تحقيق استقرار اسرتي الصغيرة في المهجر حيث به نقضي كثيرامن احتياجاتنا اليومية من تسوق ونقل لاحمد او نضال وامهما الى حيث يريدون و قد كان له فضل الظهر في توفير وسيلة نقل مجانية للابنة نضال طيلة دراستها بالثانوية وهي تمتطى تاكسي ابيها ( الشيفي لومينا 2000) بعد خروجها من خدمة التاكسي في2005 واكملت بها فترة الثانوية واليوم وهي في الجامعة تمتطي ( الشيفي فينشر 2004) وهو ذات التاكسي المشهور على بروفايل ابيها التكاسي هباني بعد ان خرج من الخدمة !
ارايتم لماذا ظللت اعتز بهذه المهنة الشريفة والتي من خلالها تعرفت على شريحة ( التكاسة) في كل انحاء العالم وكيف يتعيشون ويناضلون بشرف لاجل اسرهم الكريمة لتوفير لقمة كريمة في ظل حرية محفوفة بكثير من المخاطر وهو امر طبيعي ان يكون للحرية ثمن واحيانا تكون الروح هي الثمن كما يفعل الشهداء من الابطال الخالدين.. ولذلك ظللت مصرا على ارتباط اسمي بها مهما كلفني الموقف بهذه المهنة الشريفة وبهذه الصورة المعبرة عن انسان معتز بمهنته رغم محاولات بعض الاصدقاء وبعض الاهل اثنائي عن هذا المظهر والذي لا يعجبهم لانهم لا زالت بهم عنجهية وترفع واستعلاء وازدراء لهذا النوع من المهن ولاهلها لانهم ليسوا من مقامهم وفق عقلية رجعية استعلائية اسعى مع غيرى لتغييرها بوسائلنا البسيطة لتتعامل الناس في هذه الحياة بتواضع وبساطة مع لبها وليس قشورها بلا انطباعية ولا احكام مسبقة وان الانسان الحقيقي جوهر اي ضمير وعقل وقلب وروح وليس ملابس واسماء والقاب ومكياج....مع معزتي واحترامي لكل سائق تاكسي شريف في الدنيا وكل كادح يسعي للحياة بشرف وكبرياء!
هباني التكاسي طاااظو

ليست هناك تعليقات: