الثلاثاء، 16 ديسمبر 2008

عواطفنا ليست امرا محمودا عندما تغيب ضمائرنا

عواطفنا هي واحدة من اعقد اشكاليات ازمتنا الكبرى و التي ليست ازمة بهذا الشكل السطحي الذي يختذلها البعض منا في مجرد شكل سياسي وفقط في مشهد لعبة معارضة وحكومة وهذا المشهد السياسي وحده وجه واحد من ملامح الازمة الكبرى اي في جانبها السياسي فهي ازمة حمالة اوجه عديدة منها ما يتعلق بثقافتنا السائدة واشكالياتها السالبة وتاثيرها على حراكنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومنها ما يتعلق ببنية العقل السوداني في مختلف بيئاته وتأثره وتأثيره في الحياة العامة حسب طبيعة الافكار التي يحملها عبر التلقين او الاكتساب المعرفي... ومنها النفسي ما يتعلق بتضاريس النفس السودانية و بالوجدان الوطني بمختلف بيئاته وتندرج العواطف في باب هذا الملمح الاخير باعتبارها قاسما مشتركا اعظم مؤثرا جدا على خياراتنا وقراراتنا الحياتية ونحن شعب جياش وجاهلي العواطف الى حد ادمان مقولة اليعاربة البالية التي اورثتنا اياها الثقافة العربية الوافدة ( انا واخي وبن عمي على الغريب) وقد يكون هذا الغريب جارا نافعا صادقا مخلصا اوصى عليه الرسول(ص) وقد يكون زميل عمل او دراسة او رفيق طريق او رفيق نضال بطلا شجاعا شهما.... وفي المقابل قد يكون بن العم اوالاخ لصا او مجرما او فاسدا او طاغية....وللاسف لا زالت كفة ذي القربى هي الراجحة و دوما في بيئتنا ميزان العواطف يرجح كفة ذي القربى بكل علاته وشروره ومفاسده على كفة الغريب السوى الصادق النظيف الشهم وهنا مكمن الازمة لانه ليس هنالك منطق يحكم هذا الميزان المختل وهو ميزان يحتكم الى المشاعر لا الى الحكمة وهو المرجح لذات الدم والقربى وليس للضمير والاخلاق....
ولذلك تغيب ضمائرنا عند المحكات امام عواطفنا الجاهلية الجياشة حيث لا نرى فساد واجرام وطغيان القريب بل نغض الطرف عنه والانكى قد ندافع عنه وهنا المحك الحقيقي بين الانسان السوى المثقف المنطلق من ارضية اخلاقية وفكرية سوية يرجح فيها عقله عواطفه وينتصر لضميره هازما عواطفه لاجل مشروعه ومبادئه وهذه حالة فارقة بينه وبين المتثاقف المنهزم لعواطفه والمغيب لضميره بحسابات ليس للاخلاق فيها مكان ولا يعتد باية قاعدة اخلاقية تضبط سلوكه وتوقظ ضميره وهنا مكمن العطب في كثير من حراكاتنا السياسية التي تحكمها هذه العواطف الساذجة المضرة والتي هزمت كثيرا من مشاريعنا الوطنية والتي غاب فيها الصدق والشفافية بسبب حسابات ذاتية لم تضع لمصلحة الوطن العليا اي اعتبار وهي عواطف رفدتها في حياتنا افات القبلية والطائفية والجهوية والحزبية البغيضة التي تغلب مصلحة الحزب على مصلحة الوطن ويمارس افرادها عبادة الافراد وهم مجرد ارقام او في افضل الاحوال داجنات في زرائب تسمي نفسها مجازا احزابا؟
فاي تغيير مستقبلي ننشده لمصلحة الوطن لن ترجح فيه كفة ضمائرنا كفة عواطفنا حتما لن يكتب له النجاح وسنعيد انتاج الازمات تلو الازمات لاننا لا زلنا في دوامة العواطف ولا مكان للحكمة والوجدان السليم في هذا الجو العاطفي الجاهلي الوخيم لانه بالحكمة والوجدان السليم تنصلح الحياة ويعم الخير وهي حياة اساسها انسان سوى محتكم الى ضمير واخلاق وعواطفة سوية بمقدار.